17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| العميد والعملاق والكروان

إيقاع مختلف| العميد والعملاق والكروان

حين أتأمل مسيرتى عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد وعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، فإننى أجدهما يجتمعان على كثير، ويفترقان على كبير. 

هما يجتمعان على الجنوبية: فأولهما من أقصى الجنوب، من أسوان، وثانيهما من عروس الجنوب، من المنيا.

وهما يجتمعان أيضاً على العصامية: ففي حياة كل منهما قصة كفاح  مشهودة تستحق التأمل والاستلهام.

وهما يجتمعان أيضاً على التحدى: فكل منهما رفع شعار التحدى بطريقته الخاصة، ووفقا لتكوينه النفسى الخاص، على أن عميد الأدب العربى قد تحدى المؤسسة التعليمية من داخلها، بينما تحداها العملاق من خارجها.

العميد أًصر على أن يكمل مسيرته التعليمية حتى ذروتها، وأن يحصل على أعلى الشهادات العلمية من أكثر الجامعات شهرة ومكانة، وأن يعمل هو فى الجامعة قبل أن يصبح وزيراً للمعارف.

أما العملاق فقد توقف بتعليمه الرسمى عند حدود الابتدائية، مستغنيا بتعليمه الذاتى عن التعليم الرسمى، شاهراً قلمه وكلمته فى وجه كل من يسأل عن شهادته العلمية.

وكلاهما اجتمعا أيضا على محبة ذلك الطائر المصرى المدهش "الكروان" ، فقدم إليه العملاق ديواناً شعرياً جميلاً باسم "هدية الكروان"، وأطلق العميد رواية رائعة باسم "دعاء الكروان"، أهداها  إلى العملاق قائلاً: " أنت أقمت (للكروان) ديواناً فخماً فى الشعر العربي الحديث، فهل تأذن فى أن أتخذ له عشاً متواضعاً في النثر العربي الحديث، وأن أهدى إليك هذه القصة تحية خالصة من صديق مخلص"

وقد كان إهداء العميد للعملاق فى موضعه تماماً، حيث كان العقاد قد فتح بديوانه باباً جديداً، يتخذ فيه الكروان مكاناً يليق به، بعد أن كان البلبل يحظى بالمكانة الأسمى والمكان الأرحب، وقد قال العقاد فى مقدمة ديوانه "هدية الكروان": "ومن العجيب أنك لا تقرأ صدًى للكروان فيما ينظم الشعراء المصريُّون، على كثرة ما يُسمع الكروان فى أجوائنا المصرية من شمال وجنوب!

وأعجب منه أنك لا تقرأ فيما ينظمون إلا مناجاة البلابل وأشباهها على قلة ما تُسمع في هذه الأجواء!

فكأنَّما العامَّة عندنا أصدق شعورًا من الشعراء؛ لأنهم يُلقِّبون المُغَنِّي بالكروان ولا يلقبونه بالبلبل، فيصدرون عن شعور صادق ويتحدثون بما يعرفون".

على هذا وغيره كان الأديبان الكبيران يلتقيان، على أنهما كانا يختلفان اختلافاً بيناً، فى خصائص الشخصيىة وفى سمات الكتابة وفى طبيعة التحدى، فالعميد يأسرك بهدوء نبرته وسلاسة عبارته وعمق صوته وموسيقاه، والعملاق يذهلك بعنفوان عقله وعمق تحليله وجلال صوته ومهابته.

فلا تعجب إذا اجتمع الناس على محبتهما واحترام دوريهما، ولا تدهش إذا انقسم الناس إلى طحاسنة وعقاديين، وربما كنت أنت نفسك وحداً من أحد الفريقين، ألست كذلك؟!
-------------------
بقلم: السيد حسن

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة